سورة العنكبوت - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (العنكبوت)


        


{بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الظَّالِمُونَ (49)}
قوله تعالى: {بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ} يعني القرآن. قال الحسن: وزعم الفراء في قراءة عبد الله {بل هي آيات بينات} المعنى بل آيات القران آيات بينات. قال الحسن: ومثله {هذا بَصائِرُ} ولو كانت هذه لجاز، نظيره {هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} قال الحسن: أعطيت هذه الامة الحفظ، وكان من قبلها لا يقرءون كتابهم إلا نظرا، فإذا أطبقوه لم يحفظوا ما فيه إلا النبيون. فقال كعب في صفة هذه الامة: إنهم حكماء علماء وهم في الفقه أنبياء. {فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} أي ليس هذا القرآن كما يقوله المبطلون من أنه سحر أو شعر، ولكنه علامات ودلائل يعرف بها دين الله وأحكامه. وهي كذلك في صدور الذين أوتوا العلم، وهم أصحاب محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنون به، يحفظونه ويقرءونه. ووصفهم بالعلم، لأنهم ميزوا بأفهامهم بين كلام الله وكلام البشر والشياطين.
وقال قتادة وابن عباس: {بَلْ هُوَ} يعني محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} من أهل الكتاب يجدونه مكتوبا عندهم في كتبهم بهذه الصفة أميا لا يقرأ، ولا يكتب، ولكنهم ظلموا أنفسهم وكتموا. وهذا اختيار الطبري. ودليل هذا القول قراءة ابن مسعود وابن السميقع: {بل هذا آيات بينات} وكان عليه السلام آيات لا آية واحدة، لأنه دل على أشياء كثيرة من أمر الدين، فلهذا قال: {بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ}.
وقيل: بل هو ذو آيات بينات، فحذف المضاف. {وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ} أي الكفار، لأنهم جحدوا نبوته وما جاء به.


{وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) قُلْ كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (52)}
قوله تعالى: {وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ} هذا قول المشركين لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومعناه هلا أنزل عليه آية كآيات الأنبياء. قيل: كما جاء صالح بالناقة، وموسى بالعصا، وعيسى بإحياء الموتى، أي {قُلْ} لهم يا محمد: {إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ} فهو يأتي بها كما يريد، إذا شاء أرسلها وليست عندي {وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ}. وقرأ ابن كثير وأبو بكر وحمزة والكسائي: {آية} بالتوحيد. وجمع الباقون. وهو اختيار أبي عبيد، لقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ}. قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ} هذا جواب لقولهم {لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ} أي أو لم يكف المشركين من الآيات هذا الكتاب المعجز الذي قد تحديتهم بأن يأتوا بمثله، أو بسورة منه فعجزوا، ولوا أتيتهم بآيات موسى وعيسى لقالوا: سحر ونحن لا نعرف السحر، والكلام مقدور، لهم ومع ذلك عجزوا عن المعارضة.
وقيل: إن سبب نزول هذه الآيات ما رواه ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن يحيي بن جعدة قال: أتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكتف فيه كتاب فقال: «كفى بقوم ضلالة وأن يرغبون عما جاء به نبيهم إلى ما جاء به نبي غير نبيهم أو كتاب غير كتابهم» فأنزل الله تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ} أخرجه أبو محمد الدارمي في مسنده. وذكره أهل التفسير في كتبهم.
وفي مثل هذا قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمر رضي الله عنه: «لو كان موسى بن عمران حيا لما وسعه إلا اتباعي» وفي مثله قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ليس منا من لم يتغن بالقرآن» أي يستغني به عن غيره. وهذا تأويل البخاري رحمه الله في الآية. وإذا كان لقاء ربه بكل حرف عشر حسنات فأكثر على ما ذكرناه في مقدمة الكتاب فالرغبة عنه إلى غيره ضلال وخسران وغبن ونقصان. {إِنَّ فِي ذلِكَ} أي في القرآن {لَرَحْمَةً} في الدنيا والآخرة.
وقيل: رحمة في الدنيا باستنقاذهم من الضلالة. {وَذِكْرى} في الدنيا بإرشادهم به إلى الحق {لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}. قوله تعالى: {قُلْ كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً} أي قل للمكذبين لك كفى بالله شهيدا يشهد لي بالصدق فيما أدعيه من أنى رسوله، وأن هذا القرآن كتابه. {يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} أي لا يخفى عليه شي. وهذا احتجاج عليهم في صحة شهادته عليهم، لأنهم قد أقروا بعلمه فلزمهم أن يقروا بشهادته. {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ} قال يحيى بن سلام: بإبليس.
وقيل: بعبادة الأوثان والأصنام، قاله ابن شجرة. {وَكَفَرُوا بِاللَّهِ} أي لتكذيبهم برسله، وجحدهم لكتابه.
وقيل: بما أشركوا به من الأوثان، وأضافوا إليه من الأولاد والأضداد. {أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ} أنفسهم وأعمالهم في الآخرة.


{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (53) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (54) يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (55)}
قوله تعالى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ} لما أنذرهم بالعذاب قالوا لفرط الإنكار: عجل لنا هذا العذاب.
وقيل: إن قائل ذلك النضر بن الحرث وأبو جهل حين قالا {اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ} وقولهم: {رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ} وقوله: {وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى} في نزول العذاب. قال ابن عباس: يعني هو ما وعدتك ألا أعذب قومك وأؤخرهم إلى يوم القيامة. بيانه: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ}.
وقال الضحاك: هو مدة أعمارهم في الدنيا.
وقيل: المراد بالأجل المسمى النفخة الأولى، قاله يحيى بن سلام.
وقيل: الوقت الذي قدره الله لهلاكهم وعذابهم، قاله ابن شجرة.
وقيل: هو القتل يوم بدر. وعلى الجملة فلكل عذاب أجل لا يتقدم ولا يتأخر. دليله قوله: {لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ}. {لَجاءَهُمُ الْعَذابُ} يعني الذي استعجلوه. {وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً} أي فجأة. {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} أي لا يعلمون بنزوله عليهم. {يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ} أي يستعجلونك وقد أعد لهم جهنم وأنها ستحيط بهم لا محالة، فما معنى الاستعجال.
وقيل: نزلت في عبد الله بن أبي أمية وأصحابه من المشركين حين قالوا {أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً}.
قوله تعالى: {يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ} قيل: هو متصل بما هو قبله، أي يوم يصيبهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم، فإذا غشيهم العذاب أحاطت بهم جهنم. وإنما قال: {مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} للمقاربة وإلا فالغشيان من فوق أعم، كما قال الشاعر:
علفتها تبنا وماء باردا ***
وقال آخر:
لقد كان قواد الجياد إلى العدا *** عليهن غاب من قنى ودروع
{وَيَقُولُ ذُوقُوا} قرأ أهل المدينة والكوفة: {نقول} بالنون. الباقون بالياء. وأختاره أبو عبيد، لقوله: {قُلْ كَفى بِاللَّهِ} ويحتمل أن يكون الملك الموكل بهم يقول: {ذُوقُوا} والقراءتان ترجع إلى معنى. أي يقول الملك بأمرنا ذوقوا.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9